jeudi 11 avril 2013

علماء تونس/ محمد الطاهر بن عاشور


ولد محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (1296هـ/ 1879م) في أسرة علمية عريقة تمتد أصولها إلى بلاد الأندلس. وقداستقرت هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش التي تعرض لها مسلمو الأندلس، وقد أهدت هذه الأسرة للعالم الإسلامي علمين هما "الطاهر بن عاشور"وابنه الفاضل "ابن عاشور" الذي مات في حياة والده رحمهما الله.
أتم الطاهر القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفرنسية، والتحق بجامع الزيتونة سنة (1310هـ/1892م) وهو في الرابعة عشرة من عمره، فأظهر نبوغًا منقطع النظير.
تخرج الطاهر في الزيتونة عام (1317هـ/ 1896م)، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق، ولم تمض إلاّ سنوات قليلة حتى عين مدرسًا من الطبقة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (1324هـ/ 1903م).
وكان الطاهر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ/ 1900م)، وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة -ذات المنهج التقليدي- والصادقية -ذات التعليم العصري المتطور- أثرها في حياته؛ إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين ما زالا في طور التكوين، ويقبلان أن يكونا خطوط انقسام ثقافي وفكريفي المجتمع التونسي، وهما: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودوّن آراءه هذه في كتابه النفيس "أليس الصبح بقريب؟"من خلال الرؤية الحضارية التاريخية الشاملة التي تدرك التحولات العميقة التي يمربها المجتمع الإسلامي والعالمي.
وقد توطدت العلاقة بينه وبين رشيد رضا، وكتب "ابن عاشور" في مجلة المنار.
إصلاحات الطاهر بن عاشور
عين"الطاهر بن عاشور" نائبًا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة(1325هـ/ 1907م)؛ فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، وأدخل بعضالإصلاحات على الناحية التعليمية، وحرر لائحة في إصلاح التعليم وعرضها على الحكومة،فنفذت بعض ما فيها، وسعى إلى إحياء بعض العلوم العربية؛ فأكثر من دروس الصرف فيمراحل التعليم، وكذلك دروس أدب اللغة، ودرّس بنفسه شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.
ورأىأنّ تغيير نظام الحياة في أي من أنحاء العالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم العقلية،ويستدعي تغيير أساليب التعليم. وقد سعى الطاهر إلى إيجاد تعليم ابتدائي إسلامي فيالمدن الكبيرة في تونس على غرار ما يفعل الأزهر في مصر، ولكنه قوبل      
بعراقيل كبيرة
أمّاسبب الخلل والفساد اللذين أصابا التعليم الإسلامي، فترجع في نظره إلى فساد المعلم،وفساد التآليف، وفساد النظام العام؛ وأعطى أولوية لإصلاح العلوم والتآليف
اختيرابن عاشور في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة في (صفر 1328هـ/ 1910م)، وكذلكفي لجنة الإصلاح الثانية (1342هـ/ 1924م)، ثم اختير شيخًا لجامع الزيتونة في (1351هـ/1932م)، كما كان شيخ الإسلام المالكي؛ فكان أول شيوخ الزيتونة الذين جمعوا بينهذين المنصبين، ولكنه لم يلبث أن استقال من المشيخة بعد سنة ونصف بسبب العراقيلالتي وضعت أمام خططه لإصلاح الزيتونة، وبسبب اصطدامه ببعض الشيوخ عندما عزم علىإصلاح التعليم في الزيتونة
أعيدتعينه شيخًا لجامع الزيتونة سنة (1364هـ/ 1945م)، وفي هذه المرة أدخل إصلاحاتكبيرة في نظام التعليم الزيتوني؛ فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين، وزادت عدد المعاهدالتعليمية
وحرصعلى أن يصطبغ التعليم الزيتوني بالصبغة الشرعية والعربية، حيث يدرس الطالبالزيتوني الكتب التي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من الغوص في المعاني؛ لذلك دعا إلىالتقليل من الإلقاء والتلقين، وإلى الإكثار من التطبيق؛ لتنمية ملكة الفهم
(ولدىاستقلال تونس أسندت إليه رئاسة الجامعة الزيتونية سنة (1374هـ/ 1956م
التحرير والتنوير
كان"الطاهر بن عاشور" عالمًا مصلحًا مجددًا، لا يستطيع الباحث في شخصيتهوعلمه أن يقف على جانب واحد فقط، إلاّ أنّ القضية الجامعة في حياته وعلمه ومؤلفاتههي التجديد والإصلاح من خلال الإسلام وليس بعيدًا عنه، ومن ثَم جاءت آراؤهوكتاباته ثورة على التقليد والجمود، وثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري.
وكانلتفاعل "الطاهر بن عاشور" الإيجابي مع القرآن الكريم أثره البالغ في عقلالشيخ الذي اتسعت آفاقه، فأدرك مقاصد الكتاب الحكيم وألمّ بأهدافه وأغراضه؛ مماكان سببًا في فهمه لمقاصد الشريعة الإسلامية التي وضع فيها أهم كتبه بعد التحريروالتنوير وهو كتاب "مقاصد الشريعة
مقاصد الشريعة
كان"الطاهر بن عاشور" فقيهًا مجددًا، يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه منأنّ باب الاجتهاد قد أغلق في أعقاب القرن الخامس الهجري، ولا سبيل لفتحه مرةثانية، وكان يرى أنّ ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهمبالتكاسل، وسيعطل إعمال العقل لإيجاد الحلول لقضاياهم التي تجد في حياتهم.
وإذاكان علم أصول الفقه هو المنهج الضابط لعملية الاجتهاد في فهم نصوص القرآن الكريمواستنباط الأحكام منه، فإنّ الاختلال في هذا العلم هو السبب في تخلي العلماء عنالاجتهاد. ورأى أنّ هذا الاختلال يرجع إلى توسيع العلم بإدخال ما لا يحتاج إليهالمجتهد، وأنّ قواعد الأصول دونت بعد أن دون الفقه؛ لذلك كان هناك بعض التعارض بينالقواعد والفروع في الفقه، كذلك الغفلة عن مقاصد الشريعة؛ إذ لم يدون منها إلاّالقليل، وكان الأولى أن تكون الأصل الأول للأصول؛ لأنّ بها يرتفع خلاف كبير.
ويعتبركتاب (مقاصد الشريعة) من أفضل ما كتب في هذا الفن وضوحًا في الفكر، ودقة فيالتعبير، وسلامة في المنهج، واستقصاء للموضوع.
محنة التجنيس
لميكن "الطاهر بن عاشور" بعيدًا عن سهام الاستعمار والحاقدين عليهوالمخالفين لمنهجه الإصلاحي التجديدي، فتعرض الشيخ لمحنة قاسية استمرت 3 عقود عرفتبمحنة التجنيس، وملخصها أنّ الاستعمار الفرنسي أصدر قانونًا في (شوال 1328هـ/1910م) عرف بقانون التجنيس، يتيح لمن يرغب من التونسيين التجنس بالجنسية الفرنسية؛فتصدى الوطنيون التونسيون لهذا القانون ومنعوا المتجنسين من الدفن في المقابرالإسلامية؛ ممّا أربك الفرنسيين فلجأت السلطات الفرنسية إلى الحيلة لاستصدار فتوىتضمن للمتجنسين التوبة من خلال صيغة سؤال عامة لا تتعلق بالحالة التونسية توجه إلىالمجلس الشرعي.
وكانالطاهر يتولى في ذلك الوقت سنة (1352هـ/ 1933م) رئاسة المجلس الشرعي لعلماءالمالكية، فأفتى المجلس صراحة بأنّه يتعين على المتجنس عند حضوره لدى القاضي أنينطق بالشهادتين ويتخلى في نفس الوقت عن جنسيته التي اعتنقها، لكن الاستعمار حجبهذه الفتوى، وبدأت حملة لتلويث سمعة هذا العالم الجليل، وتكررت هذه الحملة الآثمةعدة مرات على الشيخ، وهو صابر محتسب.
صدق الله وكذب بورقيبة
ومن المواقف المشهورة للطاهر بن عاشور رفضه القاطع استصدار فتوى تبيح الفطر في رمضان،وكان ذلك عام (1381هـ/ 1961م) عندما دعا "الحبيب بورقيبة" الرئيسُالتونسي السابق العمالَ إلى الفطر في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج، وطلب من الشيخ أنيفتي في الإذاعة بما يوافق هذا، لكن الشيخ صرح في الإذاعة بما يريده الله تعالى،بعد أن قرأ آية الصيام، وقال بعدها: "صدق الله وكذب بورقيبة". فخمد هذاالتطاول المقيت، وهذه الدعوة الباطلة بفضل مقولة ابن عاشور.
وفاة الطاهر بن عاشور
وقد توفي الطاهر بن عاشور في (13 رجب 1393هـ/ 12 أغسطس 1973م)، بعد حياة حافلة بالعلم والإصلاح والتجديد على مستوى تونس والعالم الإسلامي