mardi 12 mars 2013

تاريخ الدولة الحفصية 626 -981 هـ/1228 -1574م






سلالة من سلالات قبائل البربر حكمت إفريقية (تونس) ما يزيد على ثلاثة قرون
ينتسب الحفصيون إلى الشيخ أبي حفص عمر بن يحيى الهَنْتاتي، وهنتاتة من أعظم قبائل المصامدة، أكثرها جمعاً وأشدها قوة، وهم السابقون للقيام بدعوة المهدي بن تومرت (مؤسس حركة الموحدين) والممهدون لأمره، وكان أبو حفص من أصحاب المهدي ومن خواصه المقربين؛ فلما توفي ابن تومرت وبايع الموحدون عبد المؤمن بن علي أصبح أبو حفص أحد كبار قادته المخلصين، وقد بلغ من تعظيم الناس لقدر الحفصيين أنهم كانوا كما يقول ابن خلدون: «يتداولون الإمارة بالأندلس والمغرب وإفريقية هم وأولاد عبد المؤمن».
كان أول من تولى منهم الديار التونسية نائباً عن الخليفة الموحدي الناصر بن المنصور، أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص سنة 603هـ/1206م لأن الخليفة الموحدي أدرك أنه لابد لولاية إفريقية البعيدة عن المركز من جهاز إداري وعسكري خاص بها يستطيع التصرف بسرعة وحرية ذاتية عندما يهدد البلاد خطر مفاجئ، وقد أثبت أبو محمد عبد الواحد ولاءه للخليفة من جهة وصلاحه للمنصب من جهة ثانية، فقد انتصر على الثائر ابن غانية وأجبره على التراجع إلى طرابلس (بنو غانية من قبيلة مسوفة من أتباع المرابطين هددوا ولاية إفريقية منذ وفاة الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المؤمن سنة 580هـ ولمدة خمسين سنة).
استمر ولاء الحفصيين للموحدين حتى كان عهد أبو زكريا يحيى الأول (625-647هـ/1228-1249م) الذي قطع الخطبة للخليفة الموحدي ولقب نفسه بالأمير ثم جعل الخطبة باسمه سنة 634هـ /1237م. وبعد أن استقل أبو زكريا يحيى الأول في الديار التونسية قام بحملات ناجحة، فضم قسنطينة وبجاية، واستخلص طرابلس من الثائر ابن غانية، وفي سنة 632هـ ضم الجزائر وأخضع وادي شليف، وشجع العرب من بني سليم على التوسع على حساب بني رياح (الدواودة) في منطقة قسنطينة والزاب، وأخضع قبيلة هوارة المقيمة على الحدود الجزائرية التونسية واستولى على تلمسان سنة 639هـ ولكنه ترك الحكم فيها لبني عبد الواد لقاء ولائهم للحكم الحفصي، واتسعت سلطة أبي زكريا بعد سنة 635هـ/1238م. لتشمل المغرب الأقصى والأندلس، إذ أظهر بنو نصر في الأندلس والمرينيون  في المغرب الأقصى الولاء له.
توفي أبو زكريا سنة 647هـ فخلفه ابنه أبو عبد الله محمد (647-675هـ/1249-1277م) الذي اتخذ لنفسه لقب الخليفة المستنصر ونجح في الحصول على وثيقة من شريف مكة تجعله وريثاً للخلفاء العباسيين بعد أن قضى المغول على الخلافة العباسية واستولوا على بغداد.
لم يكن عصر المستنصر أقل من عصر أبيه ازدهاراً، فما كاد يخرج ظافراً من الفتنة التي أثارها ابن عمه محمد اللحياني (عرف باللحياني لطول لحيته) بدعم من عرب بني رياح، الدواودة، وغيرهم، حتى اتجه لتمكين الحفصيين في المغرب الأوسط، وردَّ الحملة الصليبية التي قادها القديس لويس (لويس التاسع ملك فرنسا) والتي وصلت إلى قرطاجنة سنة 668هـ/1269م. وكانوا زهاء ستة آلاف فارس و30 ألفاً من الرجال وكانت أساطيلهم تضم ثلاثمئة سفينة، فطلب المستنصر المدد من أتباعه فوافته الإمدادات من كل ناحية واتصلت الحرب والتقوا في محرم سنة669هـ وقتل من الفريقين عدد كبير، وهلك لويس لإصابته بالوباء (أو لإصابته بسهم غَرْب وفق رواية أخرى)، مما اضطرهم إلى الرجوع
حقق قيام دولة الحفصيين لإفريقية سنوات من الازدهار والاستقرار وأصبحت مدينة تونس عاصمة للدولة ومركزاً ثقافياً وسياسياً، وشاد أبو زكريا والمستنصر الكثير من القصور والمساجد والزوايا والقناطر والمكتبات، واجتذبا إلى البلاد الشعراء والعلماء من بقاع العالم الإسلامي. وكان للمهاجرين المسلمين من الأندلس في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر ميلادي، مشاركة قيمة في النهوض بدراسات الأدب وفقه المالكية، منهم قاضي القضاة ابن الغماز وابن الأبَّار وقد وفدا من بلنسية، وبنو عصفور من إشبيلية، وبنو خلدون أجداد ابن خلدون المؤرخ المشهور الذي ولد ونشأ في تونس.
وقد حدث تقدم اقتصادي في عهد أبي زكريا يحيى والمستنصر نتيجة للسلم والأمن اللذين انتشرا في المنطقة، فزادت المبادلات التجارية مع البروفانس  واللانغدوك  والجمهوريات الإيطالية، وتوثقت العلاقات مع صقلية والأرغون، وكان من نتيجة ذلك أن استقرت جاليات من التجار المسيحيين (من إسبانية والبروفانس وإيطالية) في موانئ المملكة الحفصية ولاسيما في تونس فصار لهم فيها قناصل وفنادق خاصة
بوفاة المستنصر تبدأ مرحلة من الاضطرابات والحركات الانفصالية استمرت من سنة675 إلى 718هـ/1277- 1318م، حين تولى السلطة أبو يحيى أبو بكر فأعاد للدولة الحفصية وحدتها.
كانت الحقبة الأولى من حكم أبي يحيى أبي بكر (718-732ﻫ) محفوفة بالمكاره التي أثارها أبو ضربة سلطان تونس السابق وقبائل الكعوب وغيرها التي تحالفت مع بني عبد الواد أصحاب تلمسان، وهدد بنو عبد الواد المقاطعات الحفصية مراراً ما بين سنة 719-730هـ ولم يتغلب أبو يحيى أخيراً على أعدائه إلا بدعم من المرينيين الذين عقد معهم حلفاً وثيقاً، وزوج أبو يحيى ابنته من أبي الحسن ولي عهد سلطان فاس المريني.
دفعت الصعوبات التي واجهت أبا يحيى في المرحلة الأولى من حكمه إلى أن يزيد اعتماده على أبنائه في إدارة الولايات مع تعيين حجاب (رؤساء ووزراء) لهم، ونجح في أواخر سنوات حكمه أن يعيد الأمن والاستقرار في ربوع إفريقية، وأن يخضع مدن الجريد التي انتهزت فرصة الفوضى والاضطراب التي كانت سائدة لتستقل عن المركز وإذا كانت طرابلس قد خرجت من قبضته إلا أنه حرر جربة من الحكم الصقلي.
عادت الفوضى ثانية إلى إفريقية بعد موت أبي يحيى أبي بكر عام 747هـ/1346م فقد اغتصب أبو حفص عمر الثاني السلطة من أخيه الوريث الشرعي أبي العباس وقتله، فأثار هذا العمل المرينيين، وتقدم السلطان أبو الحسن علي المريني وزحف بجيوشه واستولى على تونس سنة748هـ وقتل أبا حفص عمر الثاني، وشرع في بناء مدينة سماها المنصورة لسكنى جيشه، ولما تملك البلاد منع العرب من أعطياتهم ومنع الإقطاعات فغضبوا وشنوا الغارات في البلاد كلها، فلم تطل أيام السلطان أبي الحسن بإفريقية، وعاد ملك إفريقية إلى بني حفص، وبايع التونسيون أبا العباس أحمد الأول الفضل بن أبي يحيى أبي بكر حاكم بونة، حكم الفضل سنة واحدة لأنه وقع فريسة لمؤامرة دبرها له وزيره ابن تفراجين الذي أوصل أخاه أبا إسحاق إلى سدة الحكم.
كان أبو إسحاق إبراهيم الثاني (751-770هـ/1350-1368م) صغير السن مما جعل السلطة الحقيقية في تونس بيد ابن تفراجين مدة أربع عشرة سنة، واستطاع المرينيون أن يستغلوا الفوضى في ربوع الدولة الحفصية التي حكمها ثلاثة أمراء حفصيين في وقت واحد، أبو إسحاق الثاني في تونس، أبو عبد الله في بجاية، وأبو العباس في قسنطينة، فاستولى أبو عنان المريني على بجاية سنة 753هـ وعلى قسنطينة وبونة وتونس ما بين 757-758هـ، وحصل على ولاء قابس ومنطقة الجريد، إلا أن محاولة أبي عنان كبح جماح العرب الذين لم يروا في هذه الحروب إلا وسيلة للتخريب والسلب والنهب، ومنعه الدواودة من جباية بعض الضرائب من السكان المستقرين،جعلت جيشه يتخلى  عنه، مما اضطره إلى ترك إفريقية والعودة إلى بلاده، فانتهز أبو إسحاق الثاني هذه الفرصة، ودخل تونس ثانية مع وزيره ابن تفراجين.
بقيت الفوضى سائدة في مملكة الحفصيين حتى نجح أبو العباس حاكم قسنطينة في أن يعيد للسلالة الحفصية مكانتها، فقد أعاد الأمن والنظام والاستقرار إلى البلاد. فكبح جماح العرب وأرغم مشايخ الجريد وقفصة وقابس على الخضوع له، واستمرت سلطة الحفصيين التي استعادها قائمة في عهد ابنه أبي فارس عبد العزيز
(796-837هـ/1394-1433م) الذي أكمل ما كان قد بدأ به والده فقضى على السلالات المحلية في كل من طرابلس وقفصة وتوزر وبسكرة،وغزا صقلية واستولى على الجزائر سنة 813هـ/1410-1411م، وقام بعدة حملات في الغرب، فأخضع بني عبد الواد في تلمسان وتدخل في شؤون مراكش والأندلس.
كان أبو فارس شجاعاً حازماً تقياً موقراً للعلماء كثير الصدقات محباً للخير وأهله، فمن فضائله عموم صلاته لأهل الحرمين وعلماء المشرق، وكان يوجه صلاته إليهم صحبة الركب الحجازي،ووظف لأهل الأندلس في كل عام من الطعام وغيره إعانة لهم على جهاد العدو، كما أنشأ خزانة كتب مشتملة على أمهات الدواوين وجعل لها مقصورة في الجامع الأعظم، وأوقفها على طلبة العلم شريطة أن لا يخرج منها شيء عن محله، وجعل لها موظفين يعتنون بنظافتها ومناولتها للطلبة وردها لمكانها. ووقِّت لها وقتاً محدوداً في كل يوم، وكان أبو فارس بدوره ملازماً لقراءة العلم سَفَراً وحَضَراً، وأقام العدل، وأنصف المظلوم من الظالم، وعظم في أيامه شأن المولد النبوي، وجاءته الوفود من المشرق والمغرب، وأرسل له الناصر ناصر الدين فرج بن برقوق (801-808هـ/1406-1412م) هدية حافلة لعظيم ذكره، ويورد القيرواني بياناً بشتى المباني التي أقيمت برعايته كالمساجد والزوايا والمدارس والمستشفيات
لم يحكم حفيد أبي فارس المنتصر بالله محمد الرابع إلا مدة سنتين (837-839هـ) إذ كان عليه أن يواجه ثورات أقربائه وحلفائهم العرب، فخلفه أخوه أبو عمر عثمان (839-893هـ/1435-1488م)
كان أبو عمر عثمان حامياً للأدب والفن، وأنشأ المدارس والمكتبات والزوايا ومكاتب لقراءة القرآن وأوقف عليها الأوقاف، وكان يكرم أهل البيت النبوي ويحسن إليهم، ويقود حملات سنوية لقمع أهل الفساد من الأعراب.
خلفه حفيده أبو زكريا يحيى الثالث(893-899هـ/1488- 1493م) الذي كان حاكماً صالحاً دانت له البلاد ولكنه توفي سنة 899هـ بالطاعون الذي اجتاح البلاد، فخلفه ابن عم له هو أبو عبد الله محمد الخامس المتوكل على الله حفيد أبي عمر عثمان (899-932هـ/1493- 1526م). كان أبو عبد الله فطناً ذكياً محباً للخير وأهله إلا أنه كانت تعوزه القوة مما أدى إلى انحلال سلطان الحفصيين من جديد، فما انتهى القرن الخامس عشر حتى كانت قسنطينة وبجاية وبونة قد استعادت استقلالها، واستولى عروج[ر] شقيق خير الدين بربروس[ر] على الجزائر، واستولى الإسبان على بجاية وطرابلس سنة 1510م ،وفي عهد مولاي حسن (932-942/1525-1534م) استولى خير الدين بربروس على تونس سنة 940هـ /1533م ولكن شارل الخامس استولى على تونس في السنة التالية وعاد مولاي حسن إلى مملكته بمعونة ملك إسبانية شارل الخامس على أن يدفع الجزية لإسبانية، وحينما أخفق مولاي حسن في تحرير القيروان من الشابين (نسبة إلى قبيلة الشابية التي أسست دولة القيروان)، قرر الاستعانة ثانية بالإسبان فما كان من ابنه أحمد الذي كان والياً على عَنّابة إلا أن أقبل إلى تونس خفية واجتمع ببطانته وخلع والده واتصل الخبر بالناس فهرعوا لمبايعته، وحاول الحسن أن يستعيد ملكه بمساعدة الإسبان إلا أنه فشل وقُبِض عليه، فسجنه ابنه أحمد وسمل عينيه.
قبض أحمد على زمام السلطة حتى سنة 977هـ/1569م حين استولى أولوج علي على تونس ليمنع الإسبان من استعمال المدينة قاعدة عسكرية ضد الأتراك العثمانيين، واستطاع الحفصيون استعادة عرشهم لآخر مرة سنة 981هـ/1573م بفضل حملة دون جوان النمساوي الظافرة، ولكن سنان باشا استولى بعد سنة على تونس والقلعة وأخذ مولاي محمد آخر أمراء الحفصيين أسيراً إلى اصطنبول، وجعل سنان باشا تونس ولاية عثمانية ملحقة بالجزائر يحكمها باشا ثم صارت تابعة للباب 
العالي مباشرة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire